سبب تعافي الصرف في اليمن وارتفاع الريال اليمني مقابل الدولار والريال السعودي

في مفاجأة أربكت الأسواق المحلية، شهد الريال اليمني تحسنًا ملحوظًا في سعر الصرف خلال الأيام الأخيرة من يوليو 2025، إذ انخفض سعر صرف الريال اليمني مقابل الريال السعودي الى 428 ريال في فترة قصيرة لم تتجاوز 72 ساعة، ما أثار تساؤلات حول الأسباب الحقيقية لهذا الانتعاش غير المسبوق منذ سنوات.
ففي الوقت الذي كانت فيه العملة اليمنية على وشك تجاوز حاجز 3000 ريال مقابل الدولار، عادت لتستقر عند 1632 ريال، وتراجع الريال السعودي إلى قرابة 428 ريالًا بعد أن لامس مستويات 760 ريال. فهل هذا التعافي حقيقي؟ وما العوامل السياسية والاقتصادية التي تقف وراءه؟
تفعيل أدوات الرقابة من قبل البنك المركزي
أكدت مصادر رسمية أن البنك المركزي اليمني في عدن قد اتخذ سلسلة من الإجراءات الحازمة للسيطرة على السوق، أبرزها:
- إغلاق 37 شركة صرافة ومنشأة مخالفة بتوجيه مباشر من المحافظ أحمد غالب، بسبب المضاربة بأسعار العملات.
- تفعيل الرقابة الميدانية على سوق الصرف وتنفيذ حملات تفتيش شاملة.
- ضبط أسعار الصرف وتحديد سقف سعر الريال السعودي لأول مرة منذ سنوات، لكبح الانفلات في السوق السوداء.
هذه الخطوات ساهمت بشكل مباشر في كبح جماح المضاربة بالدولار والريال السعودي، ما ساعد على استقرار السوق ومنع التلاعب بسعر الصرف.

إنشاء لجنة تمويل وتنظيم الاستيراد
في خطوة استراتيجية لوقف نزيف العملة الأجنبية، تم تفعيل لجنة خاصة لتنظيم عمليات الاستيراد، لضمان:
- توجيه العملة الصعبة نحو استيراد السلع الأساسية فقط.
- منع المضاربين من شراء الدولار لأغراض غير تجارية.
- تقليل الطلب غير الضروري على النقد الأجنبي، وبالتالي تخفيف الضغط على السوق.
ويراى الخبراء والمحللين إن هذه الخطوة كانت النقطة المفصلية في استعادة السيطرة على السوق.
توجيه الإيرادات إلى البنك المركزي
من أبرز التحولات الاقتصادية، ما أعلنه عضو مجلس القيادة الرئاسي عيدروس الزبيدي خلال ترؤسه لجنة الموارد السيادية، حيث تم الاتفاق على:
- تحويل الإيرادات العامة للدولة إلى خزينة البنك المركزي في عدن.
- إعادة تفعيل لجنة الموازنة العامة، في خطوة لم تحدث منذ انقلاب الحوثيين عام 2015.
- إعداد أول موازنة مالية حكومية للعام 2026، بقيادة رئيس الوزراء الجديد سالم بن بريك، ما يعكس انضباطًا ماليًا طال انتظاره.
هذا التحول المؤسسي رفع ثقة السوق في النظام المالي الحكومي وأعطى مؤشرات على جدية الإصلاح.
الحد من طباعة العملة الجديدة لتحسين الصرف
أعلن محافظ البنك المركزي أحمد المعبقي عن وقف تام لطباعة العملة الجديدة، وهي خطوة حاسمة لوقف التضخم والضغط على قيمة الريال اليمني. كما تعهّد البنك بـ:
- التدخل عند حدوث تقلبات مفرطة في سعر الصرف.
- عدم إصدار أي أوراق نقدية جديدة حتى إشعار آخر.
- تعزيز أدوات الدين العام، ما يخلق أدوات مالية جديدة تقلل الاعتماد على طباعة الأموال.
تشغيل مصافي عدن لتقليل الاستيراد
أحد أهم العوامل التي تغفلها التحليلات السطحية، هو توجه الحكومة لإعادة تشغيل شركة مصافي عدن ولو بشكل جزئي، الأمر الذي:
- يقلل الاعتماد على العملة الأجنبية لاستيراد الوقود.
- يعيد توازن ميزان المدفوعات.
- يدعم الإنتاج المحلي ويخلق بيئة مستقرة نسبيًا للعملة الوطنية.
وبحسب الخبير الاقتصادي محمد باجيل، فإن هذا التوجه يشير إلى رغبة حقيقية في إنهاء قرار تعويم المشتقات النفطية الذي كان أحد أسباب الضغط على الريال.
تأثير المضاربين في السوق
رغم التفاؤل، يشير الخبير مصطفى نصر إلى أن جزءًا من التحسن يعود إلى مضاربات نفسية ومؤقتة، حيث أقدم بعض المضاربين على بيع العملات الأجنبية خوفًا من تدهور مفاجئ، مما ضاعف المعروض في السوق.
وأضاف أن السوق اليمني يتسم بالحساسية الشديدة لأي إشاعة أو تحرك، وهو ما يجعل جزءًا من التحسن غير مستدام ما لم ترافقه إصلاحات هيكلية حقيقية.
إصلاحات الحكومة الجديدة
استلام رئيس الوزراء الجديد سالم بن بريك قيادة الملف المالي انعكس إيجابيًا على أداء الحكومة في الجوانب التالية:

- تشكيل لجنة إعداد الموازنة وبدء أولى خطوات بناء خطة مالية واقعية.
- تشجيع الإصلاح الضريبي والجمركي.
- دعم استقلالية البنك المركزي ومنع التدخل السياسي في قراراته.
هذه التغييرات عززت ثقة الشارع والمستثمرين المحليين في أن هناك حكومة قادرة على ضبط إيقاع الاقتصاد.
غياب الدعم الخارجي والمؤشرات الحقيقية
ورغم كل ما سبق، يشير الاقتصادي محمد الجماعي إلى غياب أي وديعة أو منحة خارجية تُفسّر هذا التحسن، وهو ما يجعله يرى ما يحدث كـ”تحسّن صوري” ما لم تدعمه سياسات نقدية ومالية متكاملة.
جدول مقارنة أسعار الصرف
العملة | السعر قبل التعافي | السعر الحالي (03 أغسطس) | مقدار التحسن |
---|---|---|---|
الدولار الأمريكي | 2980 ريال | 1632 ريال | ⬇ 1348 ريال |
الريال السعودي | 760 ريال | 428 ريال | ⬇ 332 ريال |
الدرهم الإماراتي | 458 ريال | 341 ريال | ⬇ 117 ريال |
هل يستمر هذا التحسن؟
يرتبط استمرار تعافي الريال اليمني بمدى قدرة الحكومة والبنك المركزي على:
- مواصلة تفعيل الرقابة على الصرافين.
- تقييد الطباعة النقدية.
- إصلاح المنظومة المالية بالكامل.
- خلق مصادر حقيقية للنقد الأجنبي (مثل تصدير النفط والغاز أو استقطاب منح دولية).
تحركات السلطة المحلية لتعزيز الرقابة
لأول مرة منذ سنوات، تشهد المحافظات المحررة في اليمن تنسيقًا ميدانيًا واضحًا بين السلطات المحلية ووزارة الصناعة والتجارة، استجابة للتغيرات المفاجئة في سعر الصرف. وجّه رئيس الوزراء سالم بن بريك أوامر صريحة بتشكيل فرق تفتيش ميدانية مشتركة تضم الأجهزة الأمنية والقضائية لضبط الأسعار في الأسواق، خصوصًا السلع التموينية الأساسية.
وقد بدأت هذه الفرق بالنزول الميداني في العاصمة المؤقتة عدن، حيث أُصدر عدد من الإنذارات الرسمية للتجار غير الملتزمين بتخفيض الأسعار، وهو ما يساهم في تحويل التحسن النظري في العملة إلى نتائج واقعية يشعر بها المواطن.
آليات الردع الحكومية تجاه المخالفين
لم تكتفِ الحكومة بالتوجيهات العامة، بل فعّلت أدوات العقاب الرادعة بحق المخالفين، مثل سحب السجلات التجارية وإدراجهم ضمن “القوائم السوداء”، ما يشكل ضغطًا نفسيًا واقتصاديًا على كبار الموردين لوقف التلاعب.
وأكد وزير الصناعة محمد الأشول أن التلاعب بأسعار السلع سيُقابل بإجراءات صارمة، بالتعاون مع النيابة العامة. هذه اللغة الحاسمة لم تكن مألوفة في التعامل مع الأسواق اليمنية منذ سنوات، وهي إشارة واضحة إلى أن الحكومة باتت تتعامل بجدية غير مسبوقة مع الملف الاقتصادي.
تقييم تحركات المواطنين في الأسواق
في ظل الهبوط المتسارع للعملات الأجنبية، لجأ كثير من المواطنين إلى بيع مدخراتهم من الدولار والريال السعودي خشية مزيد من التراجع، بينما فضّل آخرون التريث وسط حالة من التذبذب.
هذا السلوك أوجد حالة من “الفزع العكسي”، حيث سعى الصرافون لجمع العملات الأجنبية بأقل الأسعار مستغلين هذا الذعر المؤقت. وتُظهر المؤشرات أن هذا التوجه قد يكون أحد أسباب زيادة المعروض من النقد الأجنبي، ما ساعد على تعزيز التحسن في سعر الريال، لكن دون أن يستند إلى قاعدة اقتصادية متينة.
دور الإعلام المحلي في توعية الشارع
لعبت بعض القنوات الإخبارية والصحف المحلية دورًا إيجابيًا في توجيه الشارع نحو فهم أعمق للتغيرات الحاصلة في سوق العملات. تقارير “الشرق الأوسط” و”مراقبون برس” و”إرم نيوز” سلطت الضوء على الإجراءات الحكومية، ونقلت تصريحات الخبراء التي وضّحت أن التحسن الحالي قد يكون وقتيًا ما لم تدعمه إصلاحات اقتصادية حقيقية.
ساعد هذا الدور الإعلامي على تهدئة الانفعالات العشوائية في السوق، وعلى تحفيز المواطنين لممارسة الرقابة الشعبية على الأسواق والتبليغ عن أي تجاوزات.
التحديات التي تهدد استدامة التحسن
رغم الجهود الجبارة التي بُذلت خلال يوليو وأغسطس، لا تزال التحديات الهيكلية قائمة، أبرزها غياب صادرات النفط وتراجع الدعم الخارجي، بالإضافة إلى عجز الحساب الجاري وتقلص تدفقات العملة الأجنبية.
كذلك، يعاني البنك المركزي من ضعف أدوات السياسة النقدية مقارنة بحجم السوق الموازي، ما يضعف قدرته على التأثير المستمر. ويرى الباحث عبد الحميد المساجدي أن أي تحسن غير مدعوم بإيرادات إنتاجية وتحول اقتصادي جذري، يبقى تحسنًا هشًا وسهل التراجع في حال أي أزمة جديدة.
الخلاصة
يمكن القول إن تعافي الريال اليمني في الأيام الأخيرة ليس وليد الصدفة، بل هو نتاج لحزمة متكاملة من الإجراءات الحكومية والمصرفية المتخذة بشكل طارئ وسريع، أبرزها: تفعيل أدوات الرقابة، تنظيم الاستيراد، ضبط السوق المصرفية، وتوجيه الإيرادات نحو البنك المركزي.
لكن، يبقى هذا التحسن مهددًا بالتلاشي ما لم يُدعم بإصلاحات جذرية، أبرزها استئناف الصادرات، واستقطاب دعم خارجي منتظم، وتعزيز ثقة المستثمرين. فالتحدي اليوم لم يعد في استعادة جزء من قيمة العملة، بل في الحفاظ على هذا المكسب وتحويله إلى استقرار مالي دائم يشعر به المواطن في أسعار الغذاء، والدواء، والمواصلات.