توقعات النمو الاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بين عامي2025 و2026

في ظل التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية المتسارعة، تُطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خاصة في ظل الأزمات الممتدة وعدم اليقين الذي بات سمة العصر. في هذا المقال، نستعرض أهم ما ورد في تقرير صندوق النقد الدولي الأخير الصادر في أبريل 2025، ونسلط الضوء على آفاق النمو، التحديات الإقليمية، والفرص الواعدة للمنطقة، من خلال تحليل مفصل وبلغة تعليمية مشوقة وواضحة.
ملامح النمو الاقتصادي الإقليمي
توقعات النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تشير إلى تحسن تدريجي خلال عامي 2025 و2026، لكن بوتيرة أبطأ مما كان متوقعًا في تقرير أكتوبر 2024. فعلى الرغم من الجهود المبذولة لتعزيز الاستقرار الاقتصادي وتحقيق الإصلاحات، إلا أن عوامل خارجية وداخلية تُلقي بثقلها على المسار التنموي للدول.

من بين العوامل المؤثرة:
- التوترات الجيوسياسية الإقليمية والدولية.
- تمديد تخفيضات إنتاج النفط وتأثيرها على الاقتصادات المصدّرة.
- عدم اليقين العالمي بشأن السياسات التجارية والنقدية.
- الصراعات المحلية والنزاعات الممتدة في بعض الدول.
كل هذه العوامل تسهم في تعقيد البيئة الاقتصادية وتجعل من الضروري وجود استراتيجيات مرنة وسياسات متكاملة.
تحليل التوقعات بالأرقام بين التفاؤل والحذر
وفق بيانات صندوق النقد الدولي، يُتوقع أن يبلغ متوسط معدل النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا نحو 2.6% في عام 2025، يرتفع إلى 3.4% في 2026. غير أن هذه الأرقام تخفي تفاوتًا كبيرًا بين الدول، بحسب موقعها الجغرافي، ومصادر دخلها، ومستوى استقرارها السياسي والاقتصادي.
الدولة | 2024 | 2025 | 2026 |
---|---|---|---|
السعودية | 1.3% | 3.0% | 3.7% |
الإمارات | 3.8% | 4.0% | 5.0% |
مصر | 2.4% | 3.8% | 4.3% |
العراق | 0.3% | -1.5% | 1.4% |
تونس | 1.4% | 1.4% | 1.4% |
كما تُظهر البيانات أن الاقتصادات المستوردة للنفط ستحقق نموًا أعلى من نظيرتها المصدّرة، وهو ما يعكس تأثير تخفيضات إنتاج النفط وتراجع الأسعار على الدول المعتمدة عليه كمصدر رئيسي للدخل.
التحديات الهيكلية في قلب الأزمة
لا يقتصر الأمر على التحديات الظرفية فقط، بل هناك إشكاليات هيكلية تعاني منها اقتصادات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تتطلب معالجات عميقة وطويلة الأمد، أبرزها:
1. هشاشة المؤسسات الاقتصادية
تشير تقارير متعددة إلى أن العديد من بلدان المنطقة تفتقر إلى مؤسسات اقتصادية قوية وشفافة، ما يُضعف من قدرتها على الاستجابة للأزمات، ويحد من جذب الاستثمارات الأجنبية.
2. ارتفاع الدين العام
تعاني كثير من الدول من تفاقم الدين العام، ما يزيد من أعباء الموازنات ويقيّد الإنفاق على البنية التحتية والخدمات الاجتماعية.
3. الاعتماد الكبير على النفط
رغم الخطط الطموحة للتنويع الاقتصادي، إلا أن الاقتصادات المصدّرة للنفط لا تزال تعتمد عليه بشكل كبير، مما يجعلها عرضة لتقلبات السوق العالمية.
4. بطء وتيرة الإصلاحات
بالرغم من تبنّي إصلاحات هيكلية في عدد من الدول، إلا أن التنفيذ العملي لا يزال بطيئًا ويواجه معوقات إدارية وسياسية واجتماعية.
نقاط الضوء: أين تكمن الفرص؟
رغم التحديات، فإن الفرص الاقتصادية في المنطقة ليست معدومة، بل يمكن الاستفادة من عدة نقاط قوة للنهوض بالنمو المستدام:
1. الاقتصاد الرقمي والتحول التكنولوجي
تشهد المنطقة تسارعًا في الرقمنة، ويعد قطاع التكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي من أبرز القطاعات الواعدة، خصوصًا في دول الخليج ومصر والأردن.
2. مبادرات التنويع الاقتصادي
برامج مثل “رؤية السعودية 2030″ و”استراتيجية الإمارات 2050” تعكس تحركًا واضحًا نحو تقليص الاعتماد على النفط، وتعزيز قطاعات مثل السياحة، والصناعة، والخدمات المالية.
3. الشراكات الإقليمية والدولية
تعزز الاتفاقيات التجارية، والاستثمارات العابرة للحدود، فرص التكامل الاقتصادي، كما أن الاستفادة من مبادرات مثل “طريق الحرير الجديد” يمكن أن تفتح آفاقًا كبيرة.
عدم اليقين العالمي: مصدر ضغط أم دافع للإصلاح؟
يتناول الفصل الثاني من التقرير فكرة جوهرية وهي: “ركوب الأمواج”، أي كيفية بناء القدرة على الصمود في بيئة تتسم بعدم اليقين المتزايد. فقد أظهرت الدراسة أن:
“الارتفاع الحاد والدائم في مستويات عدم اليقين العالمي يمكن أن يُحدث آثارًا سلبية كبيرة على الناتج الحقيقي، حيث تصل الخسائر إلى 2.5% بعد عامين.”
هذا الواقع يُحتّم على صناع القرار في المنطقة:
- توسيع هامش المناورة المالي والنقدي.
- تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي.
- بناء احتياطيات استراتيجية.
- تسريع وتيرة الإصلاحات المؤسسية.
كما أن تطوير نظم إنذار مبكر للأزمات، وتحسين شفافية البيانات، سيعزز الثقة ويُمكن الاقتصادات من امتصاص الصدمات.
ماذا ينبغي أن يحدث الآن؟
من خلال تحليل ما ورد في تقرير صندوق النقد الدولي، يتضح أن مفتاح النجاح لا يكمن فقط في النمو الرقمي، بل في جودة النمو واستدامته. لذا، فإن مستقبل النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يتطلب ما يلي:
- أولويات واضحة: التركيز على استقرار الاقتصاد الكلي ومواجهة تحديات التضخم والبطالة.
- إصلاحات حقيقية: خاصة في مجالات التعليم، والحوكمة، وبيئة الأعمال.
- تعزيز الاستثمار في رأس المال البشري: من خلال تحسين جودة التعليم والتدريب والتوظيف.
- التكامل الإقليمي: عبر تنمية التجارة البينية وتحسين الربط اللوجستي.
- التحول الأخضر: تبنّي سياسات صديقة للبيئة لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتحقيق التنمية المستدامة.
ختامًا
في النهاية، يضعنا تقرير “المسار عبر الغيوم” أمام مفترق طرق: إما الاستمرار في مواجهة الأزمات بتدابير قصيرة المدى، أو السعي الجاد لبناء اقتصادات أكثر تنوعًا واستقرارًا، قادرة على التكيّف مع واقع عالمي متقلب. وبينما يبدو المسار شاقًا، إلا أن الإرادة السياسية، والتعاون الإقليمي، والاستفادة الذكية من الموارد، يمكن أن تجعل من النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قصة نجاح جديدة في عالم دائم التغير.
للاطلاع على التقرير الكامل من المصدر الرسمي، يمكنك زيارة موقع صندوق النقد الدولي.