المالية العامة في سلطنة عمان | تراجع في الإيرادات خلال الربع الأول من 2025

تشكل المالية العامة في سلطنة عمان أحد المؤشرات الحيوية لفهم الأداء الاقتصادي للدولة، وتعتبر الإيرادات العامة والإنفاق الحكومي من أبرز العناصر التي ترسم ملامح الاستقرار المالي والتوجهات الاقتصادية للمرحلة المقبلة.
وفي هذا الإطار، كشفت البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة المالية العمانية عن انخفاض ملحوظ في إيرادات الدولة خلال الربع الأول من عام 2025، ما يفتح الباب لتحليل أعمق حول أسباب هذا التراجع، وانعكاساته على الاقتصاد المحلي، وتوجهات الحكومة في التعامل مع هذه التحديات.
المالية العامة في سلطنة عمان تراجع الإيرادات العامة بنسبة 7%
بحسب النشرة المالية الصادرة مؤخرًا، بلغ إجمالي الإيرادات العامة لسلطنة عمان حتى نهاية مارس 2025 نحو 2.635 مليار ريال عماني، مقارنة بـ 2.826 مليار ريال عماني في الربع الأول من عام 2024، أي بانخفاض يُقدّر بنسبة 7%.
هذا الانخفاض لا يُعد مفاجئًا في ظل التقلّبات المستمرة بأسعار النفط والغاز، لكنه في الوقت ذاته يُسلط الضوء على مدى حساسية الميزانية العمانية تجاه إيرادات الهيدروكربونات، والتي لا تزال تُشكّل العمود الفقري للاقتصاد الوطني.

الإيرادات النفطية تتراجع بنسبة 13%
يمثل النفط المصدر الرئيسي للدخل القومي في عمان، حيث أظهرت البيانات أن صافي الإيرادات النفطية انخفض من 1.688 مليار ريال في الربع الأول من 2024 إلى 1.468 مليار ريال في نفس الفترة من عام 2025، أي بنسبة تراجع بلغت 13%.
يمكن تفسير هذا التراجع بعدة عوامل، أبرزها انخفاض أسعار النفط العالمية، وتغيرات في حجم الإنتاج أو صادرات الخام العماني. ومع استمرار الاعتماد الكبير على النفط كمصدر أساسي للدخل، يتضح مدى الحاجة إلى تنويع مصادر الإيرادات في السلطنة.
قطاع الغاز لا يزال يتأثر وانخفاض بنسبة 2%
لم يسلم قطاع الغاز أيضًا من التحديات، حيث انخفضت إيراداته بنسبة 2%، مسجلة نحو 436 مليون ريال عماني مقارنة بـ 444 مليون ريال في نفس الفترة من العام الماضي. ورغم أن هذا التراجع أقل حدّة من التراجع في الإيرادات النفطية، إلا أنه يؤكد على الطبيعة المتقلبة لعائدات قطاع الطاقة بشكل عام، ويعزز أهمية المضي قدمًا في تنفيذ استراتيجيات التنويع الاقتصادي.
ارتفاع الإيرادات الجارية مع مؤشر إيجابي وسط التحديات
وسط الأرقام السلبية، برز تطور إيجابي يتمثل في ارتفاع الإيرادات الجارية – وهي الإيرادات غير المرتبطة بالنفط والغاز – حيث سجلت 725 مليون ريال حتى نهاية الربع الأول من 2025، مقارنة بـ 691 مليون ريال في نفس الفترة من عام 2024، أي بزيادة قدرها 34 مليون ريال. هذا النمو يعكس تحسن أداء بعض القطاعات الأخرى مثل الضرائب والرسوم والخدمات الحكومية، وهو ما يدعم الاتجاه نحو بناء اقتصاد أكثر تنوعًا واستدامة.
الإنفاق العام يرتفع بنسبة 4% بين الاستجابة للضغوط والتوسع الإنمائي
رغم التراجع في الإيرادات، ارتفع الإنفاق العام ليصل إلى 2.771 مليار ريال عماني، بزيادة قدرها 107 ملايين ريال عن نفس الفترة من العام الماضي. يُعزى هذا الارتفاع إلى زيادة الإنفاق الإنمائي، ما يشير إلى التزام الحكومة بالمشاريع التنموية واستمرارها في تحفيز الاقتصاد. إلا أن هذا التوسع في الإنفاق يتطلب ضبطًا ماليًا دقيقًا، خاصة مع تراجع الموارد النفطية.
المصروفات الجارية تنخفض رغم زيادة الإنفاق العام
من اللافت أن المصروفات الجارية – والتي تشمل الرواتب والدعم والتشغيل – سجلت انخفاضًا طفيفًا بمقدار 11 مليون ريال، حيث بلغت 1.967 مليار ريال مقارنة بـ 1.978 مليار ريال في الربع الأول من 2024. هذا التراجع الطفيف قد يكون نتيجة لسياسات التقشف أو ترشيد الإنفاق الجاري من قبل الحكومة، مع إعطاء الأولوية للإنفاق التنموي.
المصروفات الإنمائية تسجل تقدمًا ملحوظًا
بلغت المصروفات الإنمائية نحو 254 مليون ريال عماني، وهو ما يعادل 28% من إجمالي السيولة المخصصة للإنفاق الإنمائي لعام 2025 والبالغة 900 مليون ريال. هذا المستوى من الصرف يعكس التزام الوزارات والوحدات الحكومية بتنفيذ المشاريع المعتمدة ضمن الخطة السنوية، ويدل على فاعلية نسبية في إدارة الاستثمارات العامة، رغم التحديات المالية.
دعم الحماية الاجتماعية والمنتجات النفطية
بلغ دعم منظومة الحماية الاجتماعية 144 مليون ريال، فيما بلغ دعم المنتجات النفطية 27 مليون ريال. ورغم التراجع في الإيرادات العامة، يظهر من هذه الأرقام أن الحكومة مستمرة في حماية الفئات الضعيفة، وضمان توازن الأسعار، ما يعكس حرصها على البعد الاجتماعي في إدارة المالية العامة.
سداد الديون والالتزامات وتحسين الاستدامة المالية
في خطوة إيجابية تُحسب للحكومة، تم تحويل 100 مليون ريال إلى بند مخصص لسداد الديون. كما تم تسديد أكثر من 304 ملايين ريال كمستحقات للقطاع الخاص، ما يعزز الثقة في بيئة الأعمال، ويُسرّع من دوران رأس المال داخل السوق المحلي. وفيما يخص الدين العام، انخفض حجمه إلى 14.3 مليار ريال مقارنة بـ 15.1 مليار ريال في العام الماضي، مما يعكس جهودًا حقيقية لتحسين الاستدامة المالية في سلطنة عمان.
رؤية مستقبلية! هل تتجه السلطنة للتوازن المالي؟
رغم التحديات الظاهرة في أرقام الربع الأول، إلا أن السياسات المالية المتبعة تشير إلى رغبة واضحة في تحقيق التوازن المالي على المدى المتوسط. ارتفاع الإيرادات غير النفطية، والاستمرار في سداد الديون، وتحقيق نسب صرف جيدة في المشاريع التنموية، كلها مؤشرات إيجابية يجب أن تُبنى عليها خطط الإصلاح المالي المستقبلي.
ويُذكر أن سلطنة عمان تعمل ضمن رؤية عمان 2040 على تعزيز التنويع الاقتصادي وتطوير البنية التحتية وتنمية رأس المال البشري، وهي أهداف من شأنها التخفيف من الاعتماد على الموارد الطبيعية، وتعزيز مرونة الاقتصاد الوطني في مواجهة الأزمات المستقبلية.
ختامًا
في النهاية، تُبرز البيانات الخاصة بـ المالية العامة في سلطنة عمان خلال الربع الأول من عام 2025 حالة من التحدي المشوب بالأمل. فعلى الرغم من الانخفاض في الإيرادات النفطية والغازية، فإن الحكومة تواصل المضي قدمًا في تنفيذ خططها التنموية وسداد التزاماتها، مع إشارات مشجعة في نمو الإيرادات غير النفطية. هذا التوازن بين التحديات والفرص هو ما سيرسم مستقبل الاقتصاد العماني.
إذا كنت مهتمًا بمتابعة أداء الاقتصاد العماني وأخبار المالية العامة في سلطنة عمان، ننصحك بالاستمرار في قراءة التقارير الفصلية والاطلاع على تحليلات الخبراء عبر المصادر الرسمية، حيث أن المرحلة القادمة ستحمل تحولات جوهرية قد تعيد رسم المشهد الاقتصادي برمّته.