قرارات حكومية

نيوزيلندا تفاجئ الأسواق بخفض الفائدة إلى 3.25%… هل بدأ عصر التيسير النقدي؟

في تحرك يعكس التغيرات الكبرى في السياسة النقدية لنيوزيلندا، أعلن بنك الاحتياطي النيوزيلندي عن خفض سعر الفائدة الأساسي بمقدار 25 نقطة أساس ليصل إلى 3.25%. وجاء هذا القرار ضمن رؤية أوسع نحو التيسير النقدي، في محاولة لمواجهة الضغوط الاقتصادية المتزايدة محليًا وعالميًا.

وقد أثار هذا القرار تساؤلات حول أبعاده الاقتصادية، وتوقعات المستقبل، وكيف سيتأثر السوق المحلي والعالمي بهذه الخطوة. في هذا المقال سنغوص بعمق في تفاصيل هذا القرار، وسنشرح خلفياته وتأثيراته، بلغة تعليمية واضحة وسلسة تناسب مختلف الفئات.

ما هو التيسير النقدي؟ ولماذا تلجأ إليه البنوك المركزية؟

قبل أن نستعرض حيثيات قرار البنك المركزي النيوزيلندي، لا بد من فهم مفهوم التيسير النقدي. يُقصد به سلسلة من السياسات التي تتبناها البنوك المركزية لتسهيل التمويل وتحفيز النمو الاقتصادي، خصوصًا عندما يكون الاقتصاد في حالة تباطؤ. وعادةً ما يبدأ هذا التيسير بخفض أسعار الفائدة لتقليل تكلفة الاقتراض على الأفراد والشركات، ما يؤدي إلى زيادة الاستهلاك والاستثمار وتحفيز النشاط الاقتصادي.

نيوزيلندا تفاجئ الأسواق بخفض الفائدة

في السياق النيوزيلندي، جاء قرار الخفض استجابة لتحديات اقتصادية متعددة، أبرزها التباطؤ العالمي، وضعف النمو المحلي، وتراجع التضخم ضمن النطاق المستهدف.

خلفية القرار دورة تشديد غير مسبوقة.. ثم التحول

منذ أكتوبر 2021 وحتى سبتمبر 2023، رفع بنك الاحتياطي النيوزيلندي أسعار الفائدة بمقدار 525 نقطة أساس، في واحدة من أقوى دورات التشديد النقدي في تاريخه منذ إدخال سعر الفائدة الرسمي عام 1999. وكان الهدف حينها كبح التضخم الذي ارتفع بسبب تداعيات جائحة كورونا وسلاسل التوريد المضطربة.

لكن هذه السياسة التشددية لم تخلُ من العواقب؛ إذ أدى ارتفاع تكاليف الاقتراض إلى ضعف الطلب ودفع الاقتصاد النيوزيلندي إلى حالة من الركود في عام 2024. ومع بوادر تعافي متواضعة، بات من الضروري أن يتخذ البنك إجراءات تعزز من فرص النمو دون الإخلال باستقرار الأسعار.

خفض الفائدة إلى 3.25%: دوافع القرار وتوقيته

بحسب البيان الرسمي للبنك، فإن القرار جاء مدفوعًا بعدة عوامل محلية ودولية:

  • استقرار معدل التضخم عند 2.5%، وهو ضمن النطاق المستهدف بين 1 و3%.
  • تباطؤ النمو العالمي بفعل التحولات التجارية وخاصة التصعيد في السياسة الجمركية الأميركية.
  • توفر طاقة فائضة في الاقتصاد المحلي تشير إلى إمكانية تحفيز الطلب دون التسبب في ضغوط تضخمية.
  • الركود السابق الذي يتطلب دعمًا إضافيًا للخروج منه بثبات.

وقد أشار البنك إلى أن توقعاته المستقبلية تشير إلى إمكانية انخفاض سعر الفائدة إلى 2.92% في الربع الأخير من 2025، وإلى 2.85% في الربع الأول من 2026، وهو ما يمثل مسارًا متواصلاً نحو التيسير النقدي التدريجي.

الانقسام داخل لجنة السياسة النقدية هل القرار محل إجماع؟

على الرغم من قرار الخفض، إلا أن محضر اجتماع لجنة السياسة النقدية أظهر عدم توافق كامل بين الأعضاء. إذ صوّت أحد الأعضاء الخمسة لصالح الإبقاء على سعر الفائدة عند 3.5%، وهو ما يعكس وجود وجهات نظر متباينة حول الحاجة الملحة لهذا التيسير في الوقت الحالي.

ومع ذلك، فإن الأغلبية استندت في دعمها لخفض الفائدة إلى أن التضخم لا يزال تحت السيطرة، إلى جانب الحاجة لتعزيز الطلب المحلي.

التحديات العالمية وتأثيراتها على الاقتصاد النيوزيلندي

أحد أبرز الأسباب التي دفعت البنك لاتخاذ هذا القرار هو التغيرات السريعة في البيئة الاقتصادية العالمية، وبشكل خاص ما يحدث على الساحة الأميركية من تصعيد في الرسوم الجمركية والسياسات التجارية الحمائية. وتشير توقعات البنك إلى أن هذه التوترات ستقلل من الطلب العالمي على الصادرات النيوزيلندية، مما يضغط على الاقتصاد المحلي بشكل غير مباشر.

ومع اعتماد نيوزيلندا على قطاعي التصدير والسياحة، فإن أي تباطؤ خارجي يُترجم فورًا إلى ضعف في الإيرادات الوطنية وفرص العمل.

ماذا تعني هذه الخطوة للمواطنين والمستثمرين؟

بالنسبة للمواطن العادي، فإن خفض سعر الفائدة يعني إمكانية الحصول على قروض سكنية وشخصية بتكلفة أقل، مما قد يشجع على شراء المنازل أو التوسع في الاستهلاك. وبالنسبة لأصحاب الشركات، فإن التمويل الأرخص يفتح الباب أمام استثمارات جديدة وتوسعة في العمليات التشغيلية.

أما للمستثمرين في السوق المالية، فإن التيسير النقدي عادةً ما ينعكس في تحسن أداء أسواق الأسهم، بسبب انخفاض العوائد على السندات. كما أنه قد يؤدي إلى انخفاض سعر صرف الدولار النيوزيلندي، ما يعزز من تنافسية الصادرات.

توقعات الأسواق. هل نحن أمام دورة تيسير جديدة؟

تُجمع الأسواق اليوم على أن هذا القرار يمثل بداية فعلية لدورة جديدة من خفض الفائدة، وإن كانت تدريجية وحذرة. فمع استمرار تباطؤ الاقتصاد العالمي، وتراجع الضغوط التضخمية، يبدو أن بنك الاحتياطي النيوزيلندي بات أكثر استعدادًا للتخلي عن سياسة التشديد السابقة لصالح دعم النمو.

لكن يبقى الحذر سيد الموقف، خاصة أن السياسات النقدية لا تعمل في فراغ، بل تتأثر بموازين السياسة المالية الحكومية وتوجهات الاقتصاد الدولي.

ختامًا

إن خفض سعر الفائدة في نيوزيلندا إلى 3.25% ليس مجرد رقم اقتصادي، بل هو انعكاس لتحول استراتيجي في السياسة النقدية للبلاد. وبينما يستعد البنك المركزي لمرحلة جديدة من التيسير، ستظل العيون مترقبة لتطورات التضخم، ومستوى الطلب المحلي، وتأثير الحرب التجارية الأميركية.

سيكون المستقبل محكومًا بالتوازن بين دعم الاقتصاد وضبط الأسعار، وهي معادلة ليست سهلة، لكنها ضرورية لضمان الاستقرار المالي والازدهار طويل الأمد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم حاجب الأعلانات!!!!

الرجاء ايقاف حاجب الاعلانات للاستمرار في مشاهدة المحتوى