العراق والنفط | هل يستطيع ثاني أكبر منتج في أوبك قيادة مستقبل الطاقة؟

تتصارع القوى الكبرى على موارد الطاقة، ويبرز اسم العراق كأحد الفاعلين الرئيسيين في سوق النفط العالمي. فالدولة الغنية بالموارد الطبيعية، والتي تمتلك خامس أكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم، لا تزال تحتل موقعًا استراتيجيًا فريدًا في خريطة الطاقة العالمية.
ومع تحولات الأسواق، والضغوط الجيوسياسية، والتقلبات الاقتصادية، يثور سؤال محوري: هل يستطيع العراق أن يكون قائدًا لمستقبل الطاقة في المنطقة والعالم؟
لمحة تاريخية عن إنتاج النفط العراقي
بدأ العراق إنتاجه النفطي منذ أوائل القرن العشرين، لكن ذروة استغلاله الحقيقية بدأت في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. وقد تعرض قطاع النفط العراقي لهزات عنيفة بسبب الحروب المتعاقبة والحصار الاقتصادي في التسعينيات، ثم الغزو الأمريكي في 2003، إلا أنه عاد تدريجيًا إلى الواجهة بعد 2010، مع استثمارات أجنبية ضخمة وتوقيع عقود خدمة مع شركات عالمية.
بحسب بيانات موقع Trading Economics، بلغ متوسط إنتاج العراق في السنوات الأخيرة نحو 4.5 إلى 4.7 مليون برميل يوميًا، مما يجعله ثاني أكبر منتج في منظمة أوبك بعد السعودية، ومصدرًا رئيسيًا للنفط الخام إلى الأسواق الآسيوية والأوروبية.
العراق في قلب معادلة الطاقة العالمية
العراق لا يمثل مجرد منتج كبير للنفط، بل هو عنصر توازن حساس في معادلة العرض والطلب العالمية. إذ يُعتمد عليه بشكل كبير لتلبية احتياجات السوق، لا سيما في أوقات الاضطرابات الجيوسياسية التي تؤثر على دول منتجة أخرى.
وتمتلك البلاد احتياطيات ضخمة تبلغ نحو 145 مليار برميل، وهي كفيلة بجعل العراق لاعبًا أساسيًا لعقود مقبلة. ومع ذلك، فإن الطموح العراقي يصطدم بتحديات هيكلية تعيق انطلاقته الكاملة.

أبرز التحديات التي تواجه قطاع النفط العراقي
- البنية التحتية المتهالكة: العديد من خطوط الأنابيب والموانئ النفطية بحاجة إلى تحديث فوري. وتحدّ هذه المشكلات من قدرة العراق على زيادة صادراته بكفاءة.
- الفساد الإداري والسياسي: ما زال الفساد أحد أبرز العقبات التي تُفقد القطاع النفطي العراقي جزءًا كبيرًا من عوائده، وتؤخر تنفيذ المشاريع الاستراتيجية.
- الانقسامات الإقليمية: إقليم كردستان العراق يتمتع بإدارة مستقلة جزئيًا لقطاع النفط، ويصدر بعضًا منه دون تنسيق مباشر مع الحكومة الاتحادية، ما يخلق تناقضات داخلية في السياسة النفطية.
- التحديات الأمنية: لا تزال بعض الحقول في مناطق غير مستقرة أمنيًا، مما يهدد استمرارية العمليات الإنتاجية.
العراق وأوبك والتوازن بين الطموح والانضباط
يلعب العراق دورًا مهمًا في منظمة أوبك، وقد التزم مرارًا باتفاقات خفض الإنتاج لدعم الأسعار العالمية. لكنه كثيرًا ما وجد نفسه في موقف صعب، حيث يحتاج إلى تصدير أكبر قدر ممكن من النفط لتمويل الميزانية، في مقابل الالتزام بسقف الإنتاج.
في العام 2023، أبدى العراق مرونة في بعض الاتفاقات، لكنه شدد على أهمية دور أوبك في تحقيق الاستقرار السعري. وتسعى بغداد في المستقبل إلى التوازن بين احترام الالتزامات الدولية وزيادة إيراداتها.
الطموحات المستقبلية: هل يستطيع العراق مضاعفة إنتاجه؟
وضعت الحكومة العراقية أهدافًا طموحة لزيادة الإنتاج إلى 8 ملايين برميل يوميًا بحلول عام 2027. وتعتمد هذه الخطة على:
- جذب استثمارات أجنبية إضافية، لا سيما من الصين وروسيا.
- تطوير الحقول غير المستغلة مثل حقل مجنون وحقل نهران عمر.
- توسيع البنية التحتية للتصدير، خصوصًا في موانئ البصرة.
- التركيز على الغاز المصاحب كمصدر جديد للطاقة المحلية والتصدير.
ولكن يبقى تحقيق هذه الطموحات رهينًا بالاستقرار السياسي والأمني، وقدرة البلاد على تنفيذ خططها دون تأجيل أو تعطيل.
مقارنة العراق بالسعودية وإيران في السوق النفطي
بينما تمتلك السعودية طاقة إنتاجية فائقة تفوق 10 ملايين برميل يوميًا، يظل العراق في موقع أقل من حيث البنية التحتية والتحكم في السوق. أما إيران، فهي تعاني من العقوبات، ما يمنح العراق ميزة تنافسية حال استقرار الأوضاع.
إلا أن العراق يظل قوة كامنة تملك الكثير من الإمكانات غير المستغلة، وهو ما يجعله مؤهلاً للعب دور أكبر إذا ما توافرت الظروف.
مستقبل الطاقة في العراق: فرص واعدة أم رهانات خطرة؟
مع تطور التوجهات العالمية نحو الطاقة المتجددة والحد من الاعتماد على الوقود الأحفوري، يجب على العراق ألا يكتفي بدوره كمنتج تقليدي، بل عليه:
- الاستثمار في الطاقة الشمسية والرياح.
- تقليل حرق الغاز المصاحب.
- تحسين كفاءة استهلاك الطاقة داخليًا.
- تعزيز الشفافية في القطاع.
هذه الخطوات ستعزز من قدرة العراق على التكيف مع مستقبل عالمي يتغير بسرعة.
ختامًا
يملك العراق كل المقومات ليصبح أحد أعمدة سوق الطاقة العالمي، من احتياطيات هائلة إلى موقع جغرافي استراتيجي. لكن المسألة لا تتعلق بالموارد وحدها، بل بالإرادة السياسية، والاستقرار الأمني، والقدرة على تنفيذ الرؤى المستقبلية.
إن سعى العراق بشكل منهجي وجاد إلى تطوير قطاعه النفطي، وتعامل مع تحدياته الداخلية بشفافية وكفاءة، فليس من المستبعد أن نراه في السنوات القادمة لاعبًا لا يمكن تجاهله في معادلة الطاقة العالمية.
هل سنشهد ولادة عراق نفطي جديد يقود الأسواق؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة.