أول اكتشاف نفطي في المنطقة المقسومة بين السعودية والكويت | منذ استئناف الإنتاج في 2020

في خطوة تحمل أبعادًا استراتيجية واقتصادية بعيدة المدى، أعلنت كل من المملكة العربية السعودية ودولة الكويت عن أول اكتشاف نفطي جديد في المنطقة المقسومة منذ استئناف عمليات الإنتاج هناك عام 2020. جاء هذا الاكتشاف في حقل “شمال الوفرة وارة – برقان”، ما يعد نقطة تحول مهمة ليس فقط على صعيد العلاقات الثنائية، بل في مستقبل إمدادات الطاقة والاستثمار في التنقيب والإنتاج في الخليج.
ما هي المنطقة المقسومة ولماذا تُعد ذات أهمية إستراتيجية؟
المنطقة المقسومة، أو ما يُعرف أيضًا بالمنطقة المحايدة، هي مساحة جغرافية تمتد على الحدود بين السعودية والكويت، بمساحة تُقدّر بنحو 5770 كيلومترًا مربعًا. وقد تم ترسيم هذه المنطقة بشكل خاص نتيجة لاتفاقيات حدودية سابقة في منتصف القرن العشرين، وجرى تقاسمها بين الدولتين بموجب اتفاقية عام 1965، ثم أُلحقت باتفاقية جديدة تخص المنطقة المغمورة عام 2000.
وتتميز هذه المنطقة بثروتها النفطية الضخمة، وخصوصًا في حقلي الخفجي والوفرة، ما جعلها محط تركيز دائم في الخطط التنموية لقطاع الطاقة في البلدين. وبسبب عوامل سياسية وفنية، توقفت عمليات الإنتاج في تلك المنطقة لفترة، قبل أن تُستأنف مجددًا في 2019 عبر مذكرة تفاهم، مما مهد الطريق لاكتشافات جديدة مثل ما نراه اليوم.
تفاصيل اكتشاف نفطي بئر “وارة برقان – 1”
وفقًا لما نقلته وكالة الأنباء السعودية “واس”، فإن الاكتشاف النفطي الجديد تحقق في مكمن “وارة” عبر البئر “وارة برقان – 1”، والذي يبعد حوالي 5 كيلومترات فقط شمال حقل الوفرة. وقد بلغ معدل تدفق النفط من هذا الاكتشاف أكثر من 500 برميل يوميًا، مع كثافة نوعية تتراوح بين 26 و27 درجة API، وهو ما يُعد مؤشرًا على جودة مقبولة للإنتاج التجاري.

هذا الاكتشاف لم يكن عشوائيًا أو مفاجئًا، بل هو ثمرة جهود فنية واستكشافية مكثفة ضمن إطار عمليات الوفرة المشتركة، التي تديرها بشكل تكاملي كل من شركة أرامكو لأعمال الخليج، وشيفرون العربية السعودية، والكويتية لنفط الخليج.
أهمية الاكتشاف في هذا التوقيت
يأتي هذا الاكتشاف النفطي في المنطقة المقسومة في وقت بالغ الأهمية، إذ تشهد أسواق الطاقة العالمية تقلبات متسارعة، ويواجه قطاع النفط تحديات تتعلق بالتحول إلى الطاقة النظيفة، إلى جانب ضغوطات الجغرافيا السياسية. وفي هذا السياق، يعزز هذا الكشف من موثوقية السعودية والكويت كموردين مستقرين للطاقة، ويمنح الشركاء العالميين ثقة متجددة في قدرات البلدين على المدى الطويل.
كذلك، يتزامن الإعلان مع تفعيل مخرجات مذكرة التفاهم الموقعة في نهاية 2019، والتي كانت تهدف إلى إعادة تفعيل المشاريع البترولية في الخفجي والوفرة، وتسريع عمليات التنقيب في المناطق المغمورة، ما يدل على التزام جدي من الجانبين بمواصلة استثمار الثروات الطبيعية المشتركة بكفاءة وتنسيق.
التعاون السعودي الكويتي نموذج يحتذى في استثمار الموارد المشتركة
التاريخ المشترك للتعاون بين السعودية والكويت في المنطقة المقسومة يعكس نموذجًا نادرًا في إدارة الثروات الحدودية. فمنذ توقيع اتفاقية تقسيم المنطقة المحايدة، ظل التنسيق قائمًا، وإن تأثر في بعض المراحل بعوامل سياسية أو لوجستية. غير أن عودة هذا التعاون بقوة بعد 2019، واليوم عبر هذا الاكتشاف النفطي، يبعث برسالة واضحة بأن العلاقات الاقتصادية بين البلدين في أفضل حالاتها.
الأمر لا يتوقف عند مجرد الإنتاج، بل يشمل تخطيطًا طويل المدى يشمل تطوير حقل الدرة البحري، الذي وقعت بشأنه الدولتان اتفاقًا مبدئيًا في مارس 2022. ومن المتوقع أن يشهد هذا الحقل تطورات مهمة مستقبلًا، كونه يقع في المنطقة المغمورة الغنية بالغاز والنفط.
ما الذي يعنيه هذا الاكتشاف لقطاع الطاقة الخليجي؟
تمثل منطقة الخليج واحدة من أهم مراكز إنتاج الطاقة عالميًا، ومع دخول اكتشافات جديدة حيز الإنتاج في مناطق مثل المنطقة المقسومة، يتعزز موقع الخليج كمحور أساسي في أمن الطاقة العالمي. كما أن هذا الاكتشاف يضيف رافدًا جديدًا يعزز استقرار أسواق النفط وسط التحديات الجيوسياسية المتزايدة، مثل الحرب في أوكرانيا والتوترات في الشرق الأوسط.
ومن الجانب الفني، يؤكد الاكتشاف أن المنطقة لا تزال تملك إمكانات غير مكتشفة بالكامل، مما يفتح آفاقًا للاستثمارات المستقبلية في مجال الاستكشاف، ليس فقط في المناطق السطحية، بل أيضًا في المكامن العميقة والمعقدة جيولوجيًا.
مستقبل الاكتشاف إنتاج وتوسعة وتنمية
بالنظر إلى الأرقام الحالية، فإن تدفق 500 برميل يوميًا يُعد خطوة أولى في مسار طويل. من المتوقع أن تُجرى المزيد من الحفر والاستكشافات لتقييم الحجم الكلي للاحتياطات، وكذلك إعداد خطط لتوسعة البنية التحتية المرتبطة بعمليات النقل والتكرير والمعالجة.
وبما أن الشركات العاملة في المنطقة تملك تاريخًا طويلًا من الكفاءة التشغيلية، فمن المتوقع أن يتم استثمار الاكتشاف الجديد بأفضل الطرق الممكنة. ولا شك أن ذلك سيُساهم في زيادة الإيرادات غير النفطية أيضًا، عبر تنشيط الصناعات المرتبطة مثل الخدمات النفطية والهندسية.
ختامًا
إن الاكتشاف النفطي في المنطقة المقسومة ليس مجرد نجاح جيولوجي أو استكشافي، بل هو عنوان لتكامل اقتصادي واستراتيجي بين السعودية والكويت، ورسالة ثقة للأسواق العالمية بأن المنطقة لا تزال قادرة على الابتكار والإنتاج، رغم التحديات.
هذا النجاح يعكس نضجًا في إدارة الموارد، وتطورًا في الرؤية المشتركة نحو استغلال الثروات بشكل مستدام ومسؤول، بما يخدم الأجيال الحالية والمستقبلية. ولا شك أن الأيام المقبلة ستحمل المزيد من الأخبار الواعدة، ليس فقط عن اكتشافات جديدة، بل عن تحول شامل في المشهد الاقتصادي الخليجي، بفضل هذه الروح التعاونية.
هل ترغب في متابعة المزيد من مستجدات الطاقة والنفط؟ تابعنا لتصلك تحليلات فورية ومقالات معمقة.