إصدار عملة يمنية جديدة | والبنك المركزي يوضح الموقف

في ظل الوضع الاقتصادي الهش الذي يمر به اليمن، تتردد من حين لآخر شائعات حول نية السلطات النقدية إصدار عملة يمنية جديدة كوسيلة لتمويل العجز في الموازنة. وبينما تنتشر هذه الأخبار بسرعة في وسائل التواصل الاجتماعي، يتساءل المواطن اليمني عن مدى صحتها، وما إذا كان ذلك سيؤثر سلبًا على الأسعار ومعيشته اليومية.
في هذا المقال، نستعرض الحقيقة الكاملة وراء هذه الادعاءات، ونشرح ما هو التمويل التضخمي، ولماذا يرفضه البنك المركزي اليمني بشكل قاطع، مع التطرق إلى البدائل الاقتصادية المتاحة أمام الحكومة لتجاوز التحديات الحالية.
ما حقيقة إصدار عملة يمنية جديدة ؟
في بيان صدر بتاريخ 21 مايو 2025، نفى مصدر مسؤول في البنك المركزي اليمني صحة الأخبار المتداولة بشأن نية السلطات النقدية إصدار طبعة جديدة من العملة المحلية لتمويل عجز الموازنة العامة. وقد أكد المصدر أن هذه الخطوة مستبعدة تمامًا من السياسات النقدية المعتمدة لدى البنك المركزي منذ ديسمبر 2021.
وأوضح المصدر أن إصدار نقد جديد دون غطاء اقتصادي يعتبر تمويلًا تضخميًا، وهو خيار غير مقبول بأي حال من الأحوال، لا فنيًا ولا سياسيًا ولا اقتصاديًا. وأشار إلى أن مجلس إدارة البنك، بالتنسيق مع مجلس القيادة والحكومة، يلتزم بسياسات نقدية صارمة تمنع اللجوء لمثل هذه الآليات التي قد تؤدي إلى فقدان العملة لقيمتها الحقيقية، وبالتالي التأثير سلبًا على المواطن والاقتصاد الوطني.

ما هو التمويل التضخمي ولماذا يُعد خطيرًا؟
التمويل التضخمي هو آلية تلجأ إليها بعض الحكومات لطباعة نقود جديدة لتمويل العجز في موازناتها، دون أن يقابل هذا الإصدار زيادة حقيقية في الإنتاج أو الموارد. وعلى الرغم من أن هذا الحل يبدو سهلاً وسريعًا من حيث التطبيق، إلا أنه يحمل في طياته مخاطر جسيمة.
من أبرز هذه المخاطر:
- ارتفاع معدلات التضخم: يؤدي ضخ نقود جديدة في السوق إلى ارتفاع الأسعار، مما يضعف القوة الشرائية للمواطنين، خصوصًا من أصحاب الدخل المحدود.
- تدهور سعر صرف العملة المحلية: عندما تزيد الكتلة النقدية دون غطاء، يضعف الثقة في العملة، ما يؤدي إلى تراجع قيمتها أمام العملات الأجنبية.
- فقدان السيطرة على السياسة النقدية: في ظل تزايد المعروض النقدي دون ضوابط، يصعب على البنك المركزي ضبط الاستقرار النقدي والأسعار.
ومن هنا يتضح لماذا يُعد التمويل التضخمي في اليمن خيارًا مرفوضًا، سواء من قبل الخبراء الاقتصاديين أو من قبل مؤسسات الدولة المعنية.
موقف البنك المركزي اليمني سياسة نقدية صارمة واستقلالية واضحة
منذ إعادة ترتيب السياسات النقدية في ديسمبر 2021، يتبنى البنك المركزي اليمني نهجًا أكثر صرامة وواقعية في إدارة العرض النقدي وضمان الاستقرار المالي. وضمن هذا الإطار، أكد المصدر الرسمي أن خيار التمويل التضخمي ليس ضمن قائمة البدائل المقبولة، حتى في أحلك الظروف، لما له من آثار مدمرة على الاقتصاد الكلي وحياة المواطن اليومية.
ويؤكد البنك أن لديه، بالتعاون مع الحكومة ومجلس القيادة، مجموعة من الخيارات البديلة، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، لتغطية العجز دون اللجوء لطباعة الأموال. وتشمل هذه الخيارات:
- زيادة الإيرادات العامة من خلال تحسين الجبايات وتفعيل المنافذ الجمركية.
- الحصول على الدعم الدولي والمساعدات المالية من الشركاء الدوليين والمؤسسات المانحة.
- ترشيد الإنفاق الحكومي وتحسين كفاءة إدارة الموارد.
- تفعيل أدوات الدين العام بشكل منضبط وتحت رقابة صارمة.
الإعلام والاقتصاد والدعوة إلى المسؤولية المهنية
أشار المصدر في البنك المركزي إلى خطورة تناول المواضيع الاقتصادية الحساسة، مثل طباعة النقود وتمويل العجز، دون التأكد من صحتها أو الرجوع إلى الجهات المختصة. ففي بيئة هشة اقتصاديًا مثل اليمن، قد يؤدي انتشار شائعة غير صحيحة إلى زعزعة الاستقرار النفسي للمواطنين، ورفع وتيرة المضاربات في السوق، بل وربما دفع بعض المؤسسات التجارية إلى اتخاذ قرارات مبنية على أوهام، مما يزيد من تعقيد الوضع.
ولهذا، دعا البنك المركزي وسائل الإعلام والمحللين الاقتصاديين إلى تحري الدقة والموضوعية، والتواصل المباشر مع الجهات الرسمية عند تناول مثل هذه القضايا الحساسة. وأكد أن أبواب البنك مفتوحة للرد على الاستفسارات، وتوضيح أي لبس، حماية للمصلحة العامة وحفاظًا على الأمن المالي.
الواقع الاقتصادي في اليمن بين التحديات والفرص
لا شك أن اليمن يمر بفترة صعبة اقتصاديًا، بفعل الحرب والانقسام السياسي والتدهور المؤسسي، لكن رغم ذلك لا تزال هناك بوادر أمل وخيارات واقعية يمكن للحكومة والبنك المركزي البناء عليها. ومن بين هذه الفرص:
- تفعيل قطاع النفط والغاز باعتباره أحد أبرز مصادر الدخل القومي.
- تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي في مشاريع البنية التحتية والطاقة.
- تعزيز الشفافية في إدارة الموارد ما يزيد من ثقة الجهات المانحة ويشجع التمويل الخارجي.
إن معالجة العجز المالي يجب أن تتم بمنظور استراتيجي شامل، لا يعتمد على المسكنات، بل على حلول مستدامة تعالج جوهر الأزمة وتؤسس لنمو اقتصادي حقيقي.
ختامًا
في خضم الأزمات، تتكاثر الشائعات وتضيع الحقيقة بين العناوين المثيرة والتحليلات السطحية. ومع انتشار خبر إصدار عملة يمنية جديدة ، سارع البنك المركزي إلى تفنيد هذه الادعاءات وتوضيح موقفه الصريح من التمويل التضخمي، مؤكدًا التزامه بسياسة نقدية واقعية وحريصة على مصلحة الوطن والمواطن.
إن التمويل التضخمي في اليمن ليس حلاً، بل قنبلة موقوتة، يدرك صانعو القرار خطورتها ويعملون جاهدين على تجنبها. ويبقى الدور الأكبر على الإعلام والمجتمع في تعزيز الوعي، ونشر المعلومة الدقيقة، والمشاركة في الحفاظ على الاستقرار المالي.
إذا كنت مهتمًا بمتابعة الأخبار الاقتصادية من مصادر موثوقة وتحليلات حيادية، ننصحك بمتابعة النشرات الرسمية للبنك المركزي اليمني، ومواقع الأخبار الاقتصادية المتخصصة، بعيدًا عن الإثارة والتضليل.